الاصول الشرعية وفروعهاA Chapter by د. أنور غني الموسويفصل من كتاب فصول المدرسة العرضيةالأصل
في اللغة الأساس، يقال: أصل الشيء: أساسه ومرتك™ه. قال تعالى (أَلَم' تَرَ كَي'فَ
ضَرَبَ الل'َهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَي'ِبَةً كَشَجَرَةٍ طَي'ِبَةٍ أَص'لُهَا
ثَابِتٌ وَفَر'عُهَا فِي الس'َمَاءِ [إبراهيم/24] أي أساسها ومرتك™ها. وهو
كذلك في قوله تعالى: مَا قَطَع'تُم' مِن' لِينَةٍ أَو' تَرَك'تُمُوهَا قَائِمَةً
عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذ'نِ الل'َهِ [الحشر/5]. والاصل في الأمور الاعتبارية بهذا
المعنى ايضا، فاصل المسألة أساسها ومرتك™ها. وبخصوص المعارف فان أصولها تعني
المعارف الأكثر رسوخا وثبوتا والتي يكون لها جانبان في الملاحظة والوعي؛ الأول
انها المرتك™ والمعتمد لغيرها بتصديقها وشهادتها لها والثانية انها الأساس الذي
تكون منه. فتكون تلك المعارف الراسخة اصولا وما يرتك™ عليها ويتأسس عليها هي
الفروع. للمعارف
الشرعية اصلان هما القران والسنة، ومنهما تتفرع باقي المعارف، وهذا التفرع حقيقي وليس
اعتباريا فقط، فانه حقيقي في نفس الامر وفي طريقة تولد وتكثر المعارف الشرعية في
نفسها مستقلة عن المتلقي والمطلع والعارف بها. وستعرف ان الأصول الشرعية من قران
وسنة لها جانبان من البحث، الأول بما هي مصدقات والثاني بما هي أسس. والجانب التصديقي
يعني ان يكون في الأصل ما يدعم ويساند ويصدق الفرع، وهذا يكون بطريقتين: الأولى
بالتفرع الدلالي والثانية بالتفرع المعرفي. واما الجانب التأسيسي فان المعارف
الشرعية تبنى على الأصول وعلى أصل الأصول الذي هو القران، ومنه تتفرع السنة التي
هي أصل أيضا من حيث استقلال الحجية، فالسنة أصل من وجه بما هي حجة مستقلة وفرع من
وجه بان ثبوتها مرتك™ على القران. ومنهما تتفرع الفروع الاستنباطية. وحقيقة المعارف
الاستنباطية انها خصائص طبيعية للمعارف النصية الاصلية، حيث ان كل نص له ابعاد
فكرية ومعرفية وظلال في الوعي وبممارسة العقل كمدرك وكمحلل، تكون مسؤولة عن إعطاء
التصور الكامل للمعرفة المتصلة بالأصل. فالمعارف الاستنباطية في الحقيقة تنتمي الى
المعارف النصية انتماء ج™ئيا حقيقيا وما يقوم به المستنبط ليس تكوينها ولا جعلها
بل اكتشافها وتبيينها وابرا™ها. المعارف
الفرعية تتفاوت في درجة القرب والبعد من المعارف الاصلية دلاليا ومعرفيا، وكلما
كانت أقرب من حيث المضامين والإخبارات والاتجاهات كانت أوضح بالانتماء وكلما كانت
ابعد كان انتماؤها اقل وضحا. وان درجات القرب والبعد بين الفرع والاصل وبين الأصول
وبين الفروع بل بين جميع المعارف يدرك من خلال الموقف الفكري والتشابه والاختلاف
الوصف للموضوعات التي تتعلق بها المعارف، من حيث السلب والايجاب بتجاه مؤشر معين
او من خلال الخصائص التي تتمظهر بها، فاهم جانبين يدرك بها القرب والبعد هما الشكل
والمضمون والتعامل معهما واضح جدا وراسخ في وجدان الانسان وفطرته. والتصديق
(المصدقية) في الوعي والجدان قد يكون بوجود مصدق مطابق او مصدق موافق دلاليا، او
وجود شاهد معرفي مطابق او موافق معرفيا. وعدم الموافقة قد تكون بالتعارض؛ سواء
التعارض المستقر التام او التعارض الذي لا يقبل الجمع عرفا، او بعدم الاتساق وعدم
التناسق دلاليا او معرفيا. والاطلاق والعموم الظاهري لا يمنع من العمل بالتخصيص
والتقييد ان كان للتخصيص والتقييد شاهد ومصدق. ويأتي تفصيل ذلك. والأصول
بحسب المدرسة العرضية هي النصوص القرانية والسنية، من آيات وروايات، وهي في الواقع
المضامين، فالنص من اية ورواية قد يحتوي أكثر من مضمون، كما ان مضمونا معينا قد
يتكون من أكثر من نص. ومن تلك المضامين تتفرع الفروع الاستنباطية، بعملية اشتقاق لفظية
ومعرفية عقلائية واضحة. ان
العرضية تسعى الى ربط الفروع بالأصول وجعل عالمها واقعيا من حيث المعرفة والقرابة
والاتصال والترابط فلا غرابة ولا فراغات ولا قف™ ولا عدم تفسير بل كل شيء واضح
ومفسر ومبين وفق طريقة العقلاء وفطرتهم في الادراك والاستقرار والثبوت. وهنا
يبر™ مفهوم الغيب، فالغيب ليس مجرد اخبار عن امر غائب من دون مناسبة معرفية بل ان
الغيب متصل بالحاضر اتصالا معرفيا طبيعيا، فالانتقال من الحاضر والشهود الى الغيب
هو انتقال تطوري وليس طفرة حدوثية. والايمان ليس امرا تسليميا بل هو امر موضوعي
منطقي دوما. ومن هنا يمكن فهم الغيب بانه معارف مستقبلية بالمعنى الفلسفي وانه
علوم متطورة من جهة القدرة والامكانية، وبعضها يحتاج الى لطف إلهي لتدرك، وهذا ما
يحصل في الانتقال من الدنيا الى الاخر، فالانتقال من الدنيا الى الاخر هو انتقال
ادراكي تطوري وليس خلق نوع مختلف من الادراك، كما ان جميع الخصائص في الواقع
الغيبي ومنه الاخروي يمكن تفسيرها في™يائيا الا انها في™ياء عالية أي في™ياء
مستقبلية يعج™ العقل الان عن ادراكها ويحتاج الى لطف إلهي ليتمكن من ذلك. وعلى كل
حال فالواقعية والطبيعية والتناسقية والاتساقية والعلمية والفي™يائية أمور مترسخة
في الادراك البشري وليس هناك ما يدل قطعا على نسخها او رفعها ولو في الاخرة بل
الدلائل على خلافه. فالغيب له أصول في الحاضر، والباطن يجب ان يكون له مصدق في
الظاهر، والايمان يجب ان يكون له شاهد في التجربة، والمستقبل يجب ان يكون له مصدق
في الواقع. هكذا تتفرع المعارف بلا قف™ة معرفية ولا فراغ، وكل ما ليس له أصل او
شاهد او مصدق فهو ظن لا يصح اعتماده. وهذا أيضا يبين وجه العلاقة بين مجموعة
المعطيات الإدراكية في الشريعة من ادلة او معارف حقيقية واعتبارية، فالحقيقي يقدم
على الاعتباري، ويكون أصله ويكون بمثابة الواقع له ويكون الاعتباري والانت™اعي
ظاهريا بالنسبة له، والظاهري يجب دوما ان يحمل على الواقع، فان اختلف معه حكم بانه
ظن لا يعمل به، وان ثبت صدوره حكم بانه متشابه فيؤول. وهذا من قواعد الفقه
التصديقي العرضي الذي يتمي™ به عن الفقه اللفظي السائد. © 2021 د. أنور غني الموسوي |
StatsAuthor
|