النص التجريدي

النص التجريدي

A Chapter by د. أنور غني الموسوي
"

مقال اسلوبي في نظرية الشعر والتجريدية

"


 

التجريدية في التعبير و اللغة هو استعمال اللغة في نقل الاحساس و الشعور و ليس الحكاية ، فتتخلى الالفاظ عن وظيفة نقل المعنى الى نقل الاحساس المصاحب له كمرك�™ للتعبير ، فيرى القارئ الاحاسيس و المشاعر المنقولة اكثر مما يرى المعاني .اذن التجريدية في اللغة هي الن�™وع نحو التخ�'لي عن طريقية الالفاظ الى المعنى و لامرآتية الوحدات الكلامية ، و بلوغ التعبيرية في التراكيب الجملية و النصية حالة نقل الاحساس و المعادل الشعوري للمدلول ، فتكون اللغة شكلُ الفكرة لا انها الحاكية عنها ، لذلك لا يكون للحكاية و التشخص و الكيانية مرك�™ية فيها ، بل البناءات التي تبعث في نفس القارئ التأثير الشعوري و الاحساسي و الحكاية غير المباشرة ، بمعنى ان التراكيب ليست من يحكي و انما القراءة هي التي تحكي و لا تحكي معان و انما أحاسيس .

و انطلاقا من فكرة ان�' الابداع اللغوي و خصوصا الشعر لا يتجه بالأساس نحو البناء المعرفي و المفاهيم ، و ان�' محور الابداع هو عالم المعنى و الشعور و الاحساس ، فاننا يمكن فهم اللغة التجريدية بانها اتجاه عميق نحو صور خالصة و مجردة وكلية لموضوعات الادب و عوالم الجمال و الشعور و الاحساس و المعنى ، التي تعصف بنفس الشاعر و تلهمه ، و تختلف هذه التعبيرية بشكل واضح عما يتجه نحو الج�™ئي من تجرية و جماليات و موضوعات قريبة ، و ينعكس ذلك بشكل ملحوظ على لغة التعبير لان خصوصية الموضوع لها تأثيرها الحاسم في شكل اللغة التي تتحدث عنه ، فبينما الجلاء و الوضوح و القرب و الاحتفاء و المجا�™ التعبيري وحتى الرم�™ية الموظفة من سمات اللغة المعبرة عن التصورات الج�™ئية لموضوعات الابداع و الجمال الج�™ئية بلغة تعبيرية ج�™ئية تشخصية ، فان التجسيد الخالص ، و التصورات الكلية و الرم�™ية المبتكرة و التحليق الحر و العمق البعيد من سمات اللغة التي تتجسد فيها التصورات الكلية لموضوعات الابداع و الجمال الكلية بلغة تعبيرية كلية تجريدية .

لا بد من القول و بشكل حاسم و واضح ان الانطلاق بالكتابة من العوالم العميقة و الكلية للمعنى و الشعور لا يكفي لتحقيق التجريد ، بل لا بد من ان يظهر اثر ذلك في اللغة ايضا ، و لا تكفي الرم�™ية مع توظيفها و حكايتها و وصفيتها ، بلا لا بد ان تكون في وضع الاشعاع و التوهج المرئي بدل الحكاية .

بالاضافة الى عناصر الابداع من الفنية و الجمالية و الرسالية التي يجب توف�'رها في العمل الشعري الناضج ، لا بد�' ان تتصف اللغة التجريدية بصفات محددة اهم�'ها ان تكون تعبيرا عن عالم عميق للمعاني و الاحاسيس ، بوجوداتها الخالصة الحرة ، البعيدة عن التشكل و القصد ، ببوح كلي و كوني و انساني عميق ، بمفردات و تراكيب لا ترى فيها الا تجليات و تجسيدات لتلك العوالم و عناصرها من خفوت شديد للقول و الحكاية و التوصيل ، بلغة تشع و لا تقول . حينها نكون امام لغة تجريدية لغة الاشعاع التي تتجاو�™ مجال القول و التشخ�'ص .

 

 

نصوص تجريدية للدكتور أنور غني الموسوي

1- الواحة

 

 

بين يدي الغروب يجلس الأقحوان ، كمسافر على بساط الهمس ، يراقص النسيم .

مرآةً وردي�'ةً كان وجه الماء ، بعذوبة غريبة تداعبها أيدي الريح . كالطفولة اللذيذة أبهرني لون الشمس .

الرمال تع�™ف ألحانها المقرمشة ، و خيول البادية بعبقها الرملي�' ، تخترق صوت ال�™من الحالم . وهناك ، نحو الواحة ، نحو شجرة البل�'وط ، صبيةٌ يلعبون ، و فراشات ناعسة ، قد بل�'ل ثيابها المساء .

كم قد أسرتني ترانيم الأغصان ، و أوراقها ذات العيون اللم�'اعة ، و الطيور ، أجل الطيور

تأسر المكان بألوانها ال�™اهية و سحرها الأخ�'اذ .

 

آه كم أحب�' رائحة الصيف ، و ظل�' شجرة تنشد للنسيم .

 

 

2- صباحات بنية

أ�'يتها الصباحات البنية ، تعالي نحوي ، إليك كل�' جسد متعب ، في نهاياته شيء من رحيق مختوم .

اليست المغارات وردية و صافية ؟ الم تكن شعبا مرجانية تتهادى نحو الفضاء الواسع ؟ النرجس ، السماوات ، هطول مطر بر�'ي ، أعوام من الأسى القرنفلي .

يا للحنين يا للحنين ، يتراقص كجدول ناعس ، حيث القطط البنفسجية ترت�'ل صلواتها الاخيرة ، الكون حينها كان يقظاً و تو�'اقا ، ليت المجد يتعل�'م الرؤية ، سماءٌ لا تكاد تريد شيئا من البوح .

العذابات ، العذابات ، القضبان ، التواريخ ، الأصابع الصفراء ، العمى المرير.

التنهدات الحمراء ، الوردية ، تعج�' باللون ، بكل اللون ، بتراتيل الخضرة ال�™رقاء . بو�'ابة الفردوس فضي�'ة ، و براقة و مشعة ، تتناثر تحت الجسر بطعمها الرقراق .

إن�'ها تتأرجح ، و عيناكَ هناك شيء من ورد ، تتعثر بالمياه الشقي�'ة ، الأسماك الوردي�'ة تتقاف�™ هنا و هناك ، أجل كان دب�' الغابة عاشقا .

ان�'ها تصغي ، تعد�' أصوات الضوء ، تصنع منها واحة و أغنية . هي ليست ناعمة و لا كثيرة الخشونة ، كما أن�'ها بلا هدير . تقف تحت الظل�' ، تصنع شمسا و حكاية ، تعيد كوكبا و نبةً و رياحا .

مرحى ، مرحى يا للسعادة .

 

3- الشرفة

نحو الشرفة الناعسة ، نحو عيون الشتاء ، حيث يتساقط الشوق كالمساءات، يتخف�'ى خلف السكون ، خلف صوت الغيم ، يبني عش�'ا بطعم الذيول .

الظلال تلك الظلال ، ترنو نحو باحة الصمت ،هناك خلف ستارة الوهج البن�'ي ، حيث أنفاس الصقيع ترد�'د غربة الفجر.

 

من تلك ال�™اوية ، تتصاعد أرواح الضباب الخضراء ، مبتهجة بالنسيم .

 

 

 



© 2020 د. أنور غني الموسوي


My Review

Would you like to review this Chapter?
Login | Register




Share This
Email
Facebook
Twitter
Request Read Request
Add to Library My Library
Subscribe Subscribe


Stats

17 Views
Added on August 8, 2020
Last Updated on August 8, 2020


Author

د. أنور غني الموسوي
د. أنور غني الموسوي

Alhilla, Babil, Iraq



About
أنور غني الموسوي طبيب وشاعر وباح.. more..

Writing
DEATH DEATH

A Poem by د. أن&#..


MELTING MELTING

A Poem by د. أن&#..